م تكن "مريم فكرى" تعلم وهى
تكتب على صفحتها الشخصية على فيس بوك أن عام 2010 انتهى، وأنها قضت أسعد
أيام حياتها خلاله، أنها على موعد مع الموت الذى أتاها بعد أن كانت قد
انتهت لتوها من الابتهال إلى الله بصلوات العام الجديد داخل كنيسة القديسين
بالإسكندرية.
يوم 31 ديسمبر
2010، وفى تمام السابعة مساءً قبل أن تتوجه إلى الكنيسة كتبت مريم على
صفحتها: "I hope 2011 is much better.. I hav so many wishes in
2011....hope they come true.....plz god stay beside me & help make
it all true - أتمنى أن يكون عام 2011 أفضل.. لدى أمنيات كثيرة فى 2011
وأتمنى أن تتحقق..ياربى كن بجانبى وساعدنى على تحقيقها"، ولكنها لم تكن
تعلم أن أيدى الإرهاب الغاشمة لن تمنحها الفرصة لتحقق أيا من هذه الأمنيات.
اغتيال البراءة
وفى
نفس اليوم وبعد منتصف الليل وانتهاء صلاة ليلة رأس السنة خرجت مريم من
الكنيسة متعجلة لتسبق صديقاتها فى استقبال أول دقائق العام الجديد حاملة فى
يدها كوبا زجاجيا قديما كى تكسره على سلالم الكنيسة مودعة به العام السابق
–فى تقليد يونانى اعتاده أهل الإسكندرية- وقبل أن تفعل كان الكوب قد سقط
من يدها بعد أن انفجرت السيارة المفخخة، ليكون مشهد النيران والأشلاء
المتطايرة جراء الانفجار هو آخر ما حفظته ذاكرتها من الدنيا.
مريم
من مواليد نوفمبر 1988، درست بجامعة الإسكندرية، هواياتها جمعت ما بين
الغناء الدينى والقراءة ومشاهدة الأفلام، وضعت الليبرالية عنوانا لرؤيتها
السياسية على صفحتها، نشاطها وتفاعلها على الموقع الاجتماعى أظهر اتزانها،
أصدقاؤها جمعوا بين المسلم والمسيحى وبادلها كل منهم التهانى بمناسبة
"الكريسماس" قبل وفاتها بأيام.
فى
فجر يوم السبت الأول من العام الجديد وبعد ساعات من الحادث دخل أصدقاؤها
على الصفحة فى محاولة للوصول لأخبارها؛ ففى الخامسة صباحا كتب
Mohamed Maher Ghazi يسأل: "mariam where r u im trying to reach u mobilek ma2fol ! Call me urgently plzzz !"، وفى ظهر اليوم كتبت
Marwa Khamis Mostafa لتستوضح الخبر: "would u plzz tell me what happened to mariam,plzz
answer me,is she ok???"؛ لتصدمهم الكارثة "وفاة مريم وأختها ووالدتها
وخالتها" عائلة واحدة فقدت أربعة من أفرادها فى عمل إرهابى راح ضحيته
المسيحى والمسلم.
انهالت
مئات التعازى والدعوات بالرحمة ممن آلمهم اغتيال الأبرياء دون أن يكون لهم
بها سابق معرفة؛ سجلت رسائلهم على الصفحة صديقتها "إنجى عبد العزيزIngi
Abdel Aziz Srag"، فاطمة أرسلت تقول: "قوليلها انى اختها واسمى فاطمة
الزهراء، وبقولها ربنا يرحمك.. احنا كلنا شعب واحد ودى اختنا وربنا يكتبلها
الرحمة، وان شاء الله هنجيب حقها"، أما Hamada فأرسل يقول: "هتفضل فى
قلوبنا، وربنا يصبر أهلها، أنا كل لما ادخل على الوول بتاعها بعيط بجد،
وكان نفسى اكون اعرفها"، ودعت لها Basma Mustafa قائلة: "مريم أنا حبيتك
من غير ما اعرفك..ربنا يرحمك ويجعلك فى الجنة ان شاء الله..حسبى الله ونعم
الوكيل فى اللى عملوا كده..يارب انتقم منهم شر انتقام".
إيخاء رغم أنف الإرهاب
تعليقات
زوار الصفحة –التى مازالت فى تزايد حتى الآن– تؤكد أن وراء كل محنة منحة،
فإن كان الحادث استهدف إذكاء نيران الفتنة بين أبناء الديانتين؛ فتعليق
فاطمة رضوان يثبت العكس تماما فقد كتبت على الصفحة تقول: "للأسف أنا دايما
مكنتش أحب اتعامل مع المسيحيين، الظاهر إنك كان لازم تموتى عشان امثالى
يعرفوا إن مفيش فرق مابينا..موتك علمنى قيمة عجز أبويا وأمى إنهم
يعلموهالى..مريم شكرا ليكى من الأرض، اتمنى كلماتى تصلك هناك..أحبك".
فيض
من المشاعر الإنسانية انهمر على صفحات الموقع الاجتماعى الشهير؛ فما بين
صفحة بعنوان " In the memory of mariam fekry" بها 979 مشترك، وصفحة أخرى
بعنوان "مريم فكرى شهيدة الانفجار المأساوى بالإسكندرية" تجاوز عدد أعضائها
9,500، إلى عدد من المبادرات الفردية والجماعية تهدف لإعادة ما غاب عن
الشارع المصرى من مشاعر الوحدة والإخاء، وتنوعت تلك المبادرات ما بين تغيير
المئات للصورة الشخصية على صفحاتهم إلى أخرى تحمل اسم مريم أو صورتها أو
صورة الهلال والصليب معا، والبعض الآخر سعى لمعرفة كيفية حضور العزاء
المقام على روح العائلة الفقيدة.
هذا
غير المبادرات الجماعية كحماية المسلمين للكنائس خلال قداس عيد الميلاد،
وشعار "الله أكبر..الله محبة" الذى رفعه المشاركون فى المظاهرة التى جمعت
بين المسلمين والمسيحيين فى إشارة إلى الخسائر التى أصابت الفريقين وأن
الإرهاب لا يعرف دينا ولا ملة، ودعت مجموعة "كلنا خالد سعيد" إلى وقفة
احتجاجية على كورنيش النيل يوم الجمعة 7 يناير بالمصاحف والأناجيل مع
الدعاء لضحايا الحادث، أما تامر عزب فقام بتصميم صورة جمعت بين مريم فكرى
ومروة الشربينى التى عرفت بشهيدة الحجاب ووضع لها عنوان "الإرهاب لا دين
له" ليتفاعل معها أكثر من 1000 فرد.
قد
تكون لا تعرف مريم فكرى، ولا تعرف من راح غيرها من الضحايا، ولكنك
بالتأكيد يمكنك المشاركة بفعل أو قول، فالحادث لم يستهدف كنيسة وإنما
استهدف المسجد الذى لم يعد آمنا بعد الآن، واستهدف المسلم الذى لن يجد
السكن بين أهل بلده الواحد.